[b][center]الوصية ووجوبها في روايات اهل البيت (ع)
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلي اللهم على محمد وال محمد الائمة والمهديين وسلم تسليما
واللعنة الدائمة على مخربي شرائعهم الى يوم الدين
(( المقدمة ))
ان الخطاب الشرعي في القران الكريم المتعلق بالاحكام ينقسم الى :-
خطاب متلق بالاوامر , وخطاب متعلق بالنواهي , وهذان الخطابان يتفرعان بدورهما الى اربعة .
فالامر اما ان يكون للوجوب او للاستحباب والنهي اما ان للحرمة او للكراهية والغاية من الاحكام هي التقوى فتعتبر نتيجة للالتزام بهذه الاحكام وصفة للملتزم بها حيث ان التقوى هي ان يجدك الله حيث امرك وان يفتقدك حيث نهاك واما انقسام الاحكام الى الامر والانهي الا لااتصاف صفات افعال الانسان الى صفتين .
الافعال الحسنة :- وهي التي يتعلق بها الامر اما وجوبا او استحبابا .
الافعال القبيحة :- وهي التي يتلق بها النهي اما تحريما او كراهيتا وقد جعل الله سبحانه جزاء على الالتزام بتلك الاحكام الوعد بالجنة او الوعيد في النار ولا نعني بتلك الاحكام هو فقط ما يخص لبفقه بل الاعم من ذلك فكل ما فرض الله من جعل الامامة او الخلافة او التنزيل الكتب السماوية او طاعتة للانبياء فهو واجب على العباد امتثلة ولا يشترط ان يكون في حكم الله افعل او لاتفعل حتى يقال ان ذلك يقتضي الوجوب او الحرمة بل يكفي ان نعلم جعل منه او تعيين او تنزل فنفهم من كل ذلك ان حكم الله هو اعم من ان يكون فقها او عقيدتا
المحور الاول : حكم الله مرة يسمى وصيه ومرة يسمى عهدا ، والدليل على ذلك هو :
1. قال تعالى (وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً )مريم31
فالوصية تعني الحكم بالامر بالصلاة والزكاة .
2. (وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ )البقرة125
فالعهد امر بتطهير البيت .
3. {قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ }الأنعام151
فقوله وصاكم فهو نهي عن الشرك بالله وعقوق الوالدين وقتل الاولاد من املاق قتل النفس التي حرم الله الا بالحق ونهي عن اقتراب الفواحش فكل ذلك احكام وصانا الله بها .
4. {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ }يس60
فالعهد ملم بالنهي عن عبادة الشيطان .
5. {وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللّهِ أَوْفُواْ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ }الأنعام152
فقوله (( وصاكم )) ملم عن اقتراب مال اليتيم وامر بالايفاء بالكيل والميزان والاعتدال في القول والايفاء بالعهد .
6. {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً }طه115
فالعهد ملم بالنهي لادم عن اقترب الشجرة وهو ما صرحت بها الاية الاخرى (وَلاَ تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ )البقرة35
7. (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللّهَ وَإِن) النساء 131
فالوصية ملمة بالتقوى كما اسلفنا التزام بالاوامر والنواهي .
8. {الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلاَّ نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّىَ يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ }آل عمران183
فالعهد المزعوم من قبل هؤلاء فهو وان لم يقل به الله فالاية وان انبئتنا بتكذيب هؤلاء لكن نستفيد منها معنى العهد وهو الحكم كما قلنا .
9. ( شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا )الشورى 13
فكل وصى به الله هي شرائعه او الشرائع بالوصية صح تسميت البعض بها لان البعض جزء من الكل وما يصح على الكل يصح على البعض فحكم الله جزء من شريعته .
10. (قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ )البقرة124
فالعهد في الاية هو الحكم بالتعيين بالامامة فأبراهيم (ع) يسأل عن استحقاق ذريته لامر التعيين فأنبأه الله ان ذلك الامر مخصوص بتعيين من الله ولايناله كل فرد لا العهد عهده وهو وحده سبحانه يعلم اين يضعه قال تعالى (اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ )الانعام 124
فالظالم لايمكنه ان يكون اماما لان الظلم اما ان يكون ظلما لله كالاشراك به او ظلما للنفس كارتكاب المعاصي او التقصير عن اداء الفرائض مما يؤدي الى عدم الرقي او ظلم المجتمع كسلب حقوق الاخرين او عدم القدرة من اداء حقهم لذا يشترط في الامام ان يكون معصوما بسبب خلوه من جميع صور الظلم التي ذكرناها شرطا في امامته وهذا ما امر به الله
وكون الامام معصوما من الظلم فهذا يعني ان الفرد عليه ولا يحق لغيره ان يعين كون الاخرين غير عالمين بمن يستحق الامامة لانهم لم يطلعوا على النفوس وما تخفيه الضمائر .
11. { وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ }البقرة132
اشارت الاية لتعيين ابراهيم لمن يعين بعده اماما فقال(وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيم ) أي الامامة فبعد ان ذكر سبحانه في اية العهد لابراهيم وجعله اماما قال ووصى بتلك الامامة الى بنيه فعينه بامر ونص من الله والمعروف ان ولدي ابراهيم هما ( اسحاق واسماعيل ) وكلاهما منصوص عليه بالعصمة
ولو قلت :ُ- ان اسحاق واسماعيل كانا نبيين فلا حاجة لوصية ابراهيم بخصوصهما
قلنا :ان اسحاق واسماعيل كانت نبوتهما بعد نبوة ابراهيم (ع) النبوة تثبت اما عن طريق الله مباشرة او بنص من النبي الذي قبله وكلا التعيينين هما من قبل الله سبحانه وتعالى وانما قلنا بتعيين ابراهيم لاسحاق واسماعيل لان عدم القول به يعني بقاء الارض بغير حجة وهو باطل ولو قلت ان وصية ابراهيم (ع) تعني الامر لابناءه بالكون على الاسلام والموت عليه .
قلنا ان كانا ابناء ابراهيم غير مسلمين فلا حاجة منوصيته لانه غير مصدقين ولا يحصل منهم الامتثال وان كانوا مسلمين فالوصية لهم بالاسلام تحصيل حاصل وانما اوردنا هذا الجواب اذا كانا ابناء ابراهيم (ع) يقصد منهم غير اسحاق واسماعيل واما لو قصد منه اسحاق واسماعيل فلا يصح مثل ذلك الاشكال .
12. {أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَـهَكَ وَإِلَـهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَـهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ }البقرة133
ان تلك الاية دليل على وجوب وصية كل معصوم في الليلة التي فيها وفاته
فالله سبحانه وتعالى يقول انكم لم تكونوا شهداء ولا تعلمون بوصية يعقوب حال احتضاره ووصيته حجة عليكم وان لم تعلموا بها فعلى كل مؤمن وان يعلم او يشهد احتضار الحجة الذي هو في زمانه فعليه ان يبحث عن وصيته فوصية يعقوب (ع) ليس قوله (مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي) لان ذلك استفهام وليس وصية لان قوله (وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ ) فهذا يعني ان يعقوب وصى كما وصى ابراهيم (ع) وهذا كان حال احتضار الموت والذي يكون عند الموت لابد ان امرا يخص ما بعد الموت وقطعا ذلك يعني امر الامامة وبما ان الانبياء شريعتهم واحدة قد وصاهم الله بها وبما انهم قد اوصوا قبيل وفاتهم كما نص على ذلك القران وبما ان لكل نبي وصي لان الارض لاتخلو من حجة ومن قال : بعد لزوم وجود الخليفة في وقت دون اخر فقد وصف فعل الله عز وجل لاجعل الامامة او الخلافة عبث لان الحاجة للخليفة اما ان يكون دائما وفي كل الاوقات او لاحاجة له اصلا وعلى هذا نقول : اين وصية النبي محمد (ص) لان ما ينطبق على الانبياء ينطبق عليه (ص) .
فلماذا الانبياء الذين سبقوه قد اوصوا ولا يحق له ان يوصي فأن كان قد اوصى فأين وصيته ؟؟؟
13. ان الميثاق هو ما يثبت به العهد او الوصية كي تكون حجة كشهادة الشهود وكتابة الكتاب
قال تعالى (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لاَ تَسْفِكُونَ دِمَاءكُمْ ) (الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ) البقرة 27
14. نفهم من كل ما سبق :-
أ. ان الوصية والعهد لفظان يدلان على الحكم امر كان او نهي
ب. ان العهد من الله حكم او جعل ومن الناس اتفاق بين طرفين
ج. ان العهد اذا كان من الناس كان وعدا كونه ناشئ من طرف واحد ويقتضي زمنا فالفرق بين العهد والوعد هو من حيث الميثاق فالاول يقتضيه والثاني لا يتوقف عليه
د. الوعد من الله جزاءا ومنة كوعده بالجنة او وعده بظهور الامام المهدي (ع) او وعده لموسى اربعين ليلة وان اقتضى ذلك امتحانا .